في الفجر كانت بواكير العبق، وفي الصحوة كان تمام الألق.
عبر الضوء على مهل يتغطى بغلالة شفيفة. داعب الوريقات الناعمة. قال الأصيص:
- تأخرت كثيراً ياصديقي وأنا قد رتبت نفسي لاستقبالك.
- كنت أعبئ سلالي بغمار الندى كي أقدّمه إليك.
خفض الحبق رأسه خجلاً. أضمر أن يرد الهدية بأحسن منها، فأخرج من عبّه عطره، وتوحد مع الضوء في عناق جميل، فصارا ملاذي الذي آوي إليه أبثه لواعجي، وأنشده الكتمان، وأكتب أشعاري إلى جانبه.. يمنحني بيدراً من دفء، ويدفع إلي بفوح كلما لامسته أصابعي.
أقطف ضمة وريقات، ثم أركض إلى زوايا البيت أنثر فيها ما قطفت.
في كل الصباحات المكللة بالمحبة، ترفع (الحبقة) وجهها الوديع، تقبل أنامل الشفق، فيتوالد السحر، ويتسرب البخور، وينهض اللون في أجنحة الفراش.
ببطء.. تقبل ديمة عابرة تتباهى بصداقة الحبق، وتوافي الوريقات بزخات تشهق بالمودة، وتنعش التربة التوّاقة إلى الماء.
يسألني الأصيص:
- هل باستطاعة لمسة حانية أن تجب دهراً من الشقاء؟
- نعم..نعم
أجيبه، وطيف ابتسامة خجول يزور محياي، فيصبح الكون أمامي طفلة بشريطتين زاهيتين يعابثهما النسيم.
ذلك اليوم.. رأيت الفجر رمادياً، والسماء بلون الحزن.
وبدت بعض العيون سعيدة بما حصل. لقد كان الأصيص يبكي.. أوراقه إلى صفرة، وعالمه الندي داهمه المرض.. بكيت مع الأصيص.. ندبت:
- أي ريح شرسة راهنت على أماني؟!.. وأي فعل حقود قايض فرحه باحتراقي؟!.. وأي دودة عابثة أتلفت الجذور؟!.. وأي قيظ قائظ ألقوه فوق حبات الندى؟! وأي أمراس قوية أحاطوا بها عنق الطهر المهدور؟!
- ربما لم تهتمي بها.. إن الحبق يذوي عندما يهمل
- لا.. (حبقتي) جزء مني، أتلهف لرؤيتها، وأسعد بلقائها، يحيطها خافقي بالرعاية، وتمتد يدي إلى حمايتها وإبعاد الأذى عنها.
- سمعت عصفورة الاتهامات الموجهة لي.. قالت:
- إن الوجع يسكن عينيك.
لم أقدر أن أجيب.. فقد كانت عيناي تغزلان دمعاً على فوح مهاجر، كم مرغت وجهي فوق هجائيات بوحه!.. وكم أسعدتني حالات صدقه!.. وكم نسيت عند مشارف وعده نفسي وهواجسي ومساحات أنسي! مات الحبق.. ومتُّ